مقالات

حكاية المرأة بين جلابية سِتّي وجينز بنتي

كتبت فاطمة مختار

في زمنٍ ليس ببعيد، كانت المرأة تعيش في قلب بيتها، تحمل بين يديها أسرةً كاملة ، وتغزل بخيوط صبرها وحكمتها مستقبل أبنائها ، وتزرع فيهم القيم قبل العلم.

وفي زمن اليوم، خرجت من حدود البيت، لكنها ما زالت تحمل نفس القلب… قلبٌ يحب ويعطي ويصبر، وسط عالمٍ تغيّر في سرعته وإيقاعه، وأصبح يحتاج من المرأة أن تكون أكثر وعيًا، وأقوى حضورًا.

المرأة كانت “أمّ البيت” وعماده.

حتى لو لم تتعلّم، كانت متعلّمة بفطرتها، تعرف الحلال من الحرام، والعيب من المباح، وتعلّم أولادها بالأفعال قبل الأقوال.

كانت تحيك الجلابية بيدها، وتطهو الطعام بروحها، وتغرس في البيت الهدوء والبركة.

كانت ضحكتها رزينة، وكلماتها قليلة، وحياؤها زينتها.

تُعبّر عن حبها بصحن طعام، أو بدعوةٍ صادقة في ظهر الغيب، أو بابتسامة تُطفئ تعب يومٍ كامل.

كانت البنت تتربى على الاحترام والستر وصلة الرحم،

والأم تقول لابنتها: “كوني ثقيلة في الكلام، خفيفة في الظل، كبيرة في القلب.”

وكان للجيرة معنى، وللكلمة وزن، وللقلوب ترابط يجعل من كل بيت بيتًا واحدًا.

أما اليوم، فقد تغيّر الزمن، وأصبحت المرأة تتعلم وتسافر وتعمل، وتشارك في صنع القرار،

لكنها تدفع ثمن كل نجاحٍ بصبرٍ كبير…

تعيش بين صوتٍ يقول “حافظي”، وصوتٍ آخر يقول “انطلقي”،

وتحاول أن توازن بين الأصالة والانفتاح، بين ما ورثته من قيم الأم والجدة، وما تفرضه الحياة الحديثة من تحديات ومسؤوليات.

التقاليد لم تختلف ، لكن تغيّرت ملامحها.

هناك من يتمسّك بالقديم، وهناك من يسعى للتجديد،

وفي المنتصف تقف المرأة… تحاول أن تمشي بخطى ثابتة، لا تفقد هويتها ، ولا تتنازل عن أحلامها.

قد يتغير شكل الحياة، لكن جوهر القيم باقٍ؛

الأدب، الكرامة، الاحترام، الستر — كلها ما زالت في القلوب، تحتاج فقط أن تُستعاد وتُترجم بلغة هذا الزمن.

قديمًا كانت التربية بالصمت، واليوم بالحوار.

قديمًا كان الخوف هو المعلم، واليوم الوعي هو السند.

لكن القلب لم يتبدّل،

هو نفس القلب الذي يحب، ويعفو، ويُضحّي، ويحلم بمستقبل أجمل لأبنائه ولمن حوله.

ولعلّ السؤال ليس: هل تغيّر الزمن؟

بل: كيف نحافظ على الجوهر ونحن نرتدي أثوابًا جديدة؟

أنا لا أرى أن الماضي أفضل من الحاضر، ولا أن الحاضر أسوأ من الماضي،

كل وقتٍ له جماله، وله بصمته، وله نساؤه اللاتي يتركن أثرًا في ذاكرة الحياة.

المرأة، مثل جدّتنا التي ارتدت الجلابية بخجل، وحفيدتنا التي ترتدي الجينز بثقة،

هي امتدادٌ لجذورٍ ضاربة في الأرض، وفروعٍ تعانق السماء.

بين جلابية سِتّي وجينز بنتي، ما زالت المرأة تحفظ اتزانها ، وتعيش برُقي، وتمنح من حولها الأمان، وتثبت كل يوم أنها كانت وما زالت… قلب الحياة النابض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى