الجمركة في مواجهة المعرفة … تداعيات السياسات التجارية الأمريكية على التعليم والبحث العلمي
بقلم دكتور حامد نبيل

شهد العالم في السنوات الأخيرة تصاعدًا في السياسات الحمائية التجارية، كان أبرزها فرض الولايات المتحدة لتعريفاتٍ جمركيةٍ جديدةٍ على الواردات من دولٍ متعددة، وعلى رأسها الصين. ومن المتوقع ألا تقتصر آثار هذه الإجراءات على الجوانب الاقتصادية فقط، بل ستمتد آثارها لتشمل أبعادًا علمية وأكاديمية، بما يؤثر على التعاون الدولي في مجالات البحث والتعليم؛ حيث تؤدي الحروب التجارية إلى تقلباتٍ اقتصادية، ما قد يضطر الحكومات لإعادة توجيه الإنفاق العام، وغالبًا ما يكون البحث العلمي في مقدمة القطاعات التي تتأثر سلبًا بهذا التوجه. كما لا يخفى على أحد اعتماد الأبحاث العلمية بشكلٍ كبير، خاصةً في مجالات مثل الطب والهندسة وغيرها، على استيراد أدوات وتقنيات فائقة الدقة، وأن فرض مثل هذه الرسوم الجمركية سيؤدي إلى زيادة تكلفة هذه المعدات مما يعوق تنفيذ العديد من المشروعات البحثية.
كما يؤدي التوتر التجاري إلى توتر العلاقات الدبلوماسية، الأمر الذي ينعكس على برامج التبادل العلمي بين الجامعات؛ حيث قد تلجأ بعض المؤسسات الأكاديمية في التحول إلى شركاء بديلين لتفادي العقبات التي فرضتها التعريفات والتوترات السياسية؛ وهو ما يُمثِّل تقييدًا على التبادل الأكاديمي والتعاون العلمي الدوليين. ومن ناحيةٍ أخرى، نجد أن ارتفاع الأسعار الناتج عن هذه التعريفات الجمركية يؤدي إلى زيادة رسوم التعليم والمعيشة؛ مما يجعل بعض الدول أقل جذبًا للطلاب الدوليين نتيجة ارتفاع تكاليف الدراسة بتلك الدول، وبالتبعية يؤدي إلى تَغيُّر وجهات الطلاب نحو دولٍ أخرى أقل تكلفة. وعلاوةً على ذلك، فمع انخفاض التمويل وتقلُّص فرص التعاون الدولي في مجالات البحث العلمي، بجانب صعوبة الوصول إلى المواد البحثية؛ ستتراجع نسب الأوراق البحثية المشتركة بين الباحثين الدوليين، وهو ما يؤثر بشكلٍ سلبي على النشر العلمي الدولي.
وتأسيسًا على ما سبق، ففي ظل ما تتسبب به التعريفات الجمركية الأمريكية من تداعيات على المشهد العلمي والأكاديمي، تظهر الحاجة إلى تبنّي عدد من السياسات والإجراءات التي من شأنها التخفيف من تلك الآثار السلبية ولعل من أبرزها، الاتجاه نحو تعزيز التصنيع المحلي للمعدات والأجهزة البحثية، مما يُقلِّل من الاعتماد على الواردات التي ارتفعت تكاليفها نتيجة الرسوم الجمركية. كذلك، يمكن تنويع مصادر الاستيراد من دول ذات سياسات تجارية أكثر استقرارًا لتجاوز القيود المفروضة. ومن ناحيةٍ أخرى، يُعد إنشاء صناديق تمويلية للطوارئ دعمًا ضروريًا للباحثين والمؤسسات الأكاديمية، مما يضمن استمرار المشاريع البحثية في مواجهة ارتفاع التكاليف. كما يُنصح بتعزيز التعاون العلمي الإقليمي والدولي من خلال الاتفاقيات الثنائية مع جامعات خارج نطاق التوترات التجارية.
وفي ظل صعوبة الوصول إلى بعض المصادر أو النشرات العلمية نتيجة السياسات الحمائية، يصبح دعم المنصات المفتوحة والنشر العلمي المجاني ضرورة مُلحَّة لضمان انسيابية المعرفة. إلى جانب ذلك، يجب تدريب الباحثين على تطوير أدوات وأساليب ابتكارية باستخدام الموارد المتاحة محليًا، ما يُخفِّف الضغط الناتج عن الحاجة المستمرة للاستيراد. وأخيرًا، فمن الضروري توعية صانعي القرار بالانعكاسات غير المباشرة للتعريفات الجمركية على النظام العلمي، وذلك عبر تقديم تقارير مُوثَّقة حول حجم التأثير المتوقع، بجانب توصياتٍ واضحة لاستثناء القطاع الأكاديمي من بعض السياسات الجمركية كلما أمكن.
دكتور حامد نبيل
كلية التجارة – جامعة المنصورة