مقالات

د. حامد نبيل يكتب : بالمحسوبية والمحاباة تفشل المؤسسات وتنهار

في عالم الإدارة والعمل المؤسسي، تتطلب المؤسسات تحقيق الكفاءة والشفافية لضمان النجاح والاستمرارية. ولكن عندما تسود المحسوبية والمحاباة كقيم أساسية في القرارات الإدارية، يصبح الفشل حتميًا.

فالمحسوبية بما تعنيه من منح المناصب أو الامتيازات لأفرادٍ بناءً على العلاقات الشخصية، بغض النظر عن كفاءتهم أو جدارتهم. والمحاباة بما يترتب عليها من تفضيل فرد أو مجموعة بشكلٍ غير عادل، إما بسبب الولاء الشخصي، أو العلاقة العائلية، أو الاجتماعية، دون النظر إلى معايير الأداء أو الخبرة ظاهرتان تُشكِّلان عقبة خطيرة أمام تطوير المؤسسات وعرقلة نموها، مما يؤدي إلى انهيارها على المدى الطويل.

فعندما تُمنح المناصب أو الفرص لأشخاص غير مؤهلين، فإن ذلك يؤدي إلى ضعف الأداء العام للمؤسسة وانخفاض الكفاءة نظرًا لافتقار متخذي القرارات إلى الخبرة والمعرفة اللازمتين لإدارة الأمور بالشكل الصحيح بما يؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض الكفاءة وتدني مستويات الأداء.

علاوةً على إحباط وتهميش الكفاءات والمواهب عندما يرون أن جهودهم لا تُقدَّر، وأن معيار الترقية أو المكافأة إنما يعتمد على العلاقات لا الأداء الجيد. كما أن المحسوبية من شأنها تقويض ثقة العاملين في الإدارة العليا؛ فعندما يشعر العاملون بغياب العدالة، تصبح قرارات الإدارة محل شك مما يؤثر سلبًا على الولاء والانتماء للمؤسسة.

وعلى الجانب الآخر فالمحاباة بما تزرعه من انقسام داخل الفريق، وشعور البعض بالظلم بسبب التمييز تؤدي إلى انتشار الغيرة والصراعات الداخلية؛ مما يعوق التعاون والعمل الجماعي وهو ما يُطلق عليه البعض “بيئة العمل السامة”.

ومع تفضيل العلاقات على الكفاءة، تتقلص فرص الابتكار؛ حيث يجد الأفراد المؤهلون والمبدعون أنفسهم مُهمَّشين؛ مما يحرم المؤسسة من أفكارهم وإسهاماتهم الإبداعية، ويؤدي إلى تراجع مستويات الابتكار والتطوير. كما تفقد المؤسسات التي تحكمها المحسوبية والمحاباة سمعتها في السوق، سواء بين العملاء أو الشركاء، وتصبح بيئة طاردة للمواهب التي تبحث عن فرص عادلة.

ويجب على الدولة أن تحارب بكل قوة هاتين الآفتين حرصًا منها على نجاح واستدامة مؤسساتها، وذلك من خلال تعزيز الشفافية المؤسسية بوضع معايير واضحة وعادلة لتقييم الأداء واتخاذ القرارات، مع مشاركة هذه المعايير مع الجميع، بجانب إنشاء آليات رقابية تضمن العدالة والمساواة في توزيع الفرص، ومحاسبة المسئولين عن أي تمييز بين العاملين دون معيار موضوعي.

مع بناء ثقافة عدالة داخلية تقوم على أساس تعزيز معياري الكفاءة والجدارة بدلًا من الثقافة التنظيمية السلبية التي تعتبر المحسوبية والمحاباة أمرًا طبيعيًا. علاوةً على ذلك، يجب توفير آليات للعاملين بما يساعدهم على تقديم الشكاوى حول أيٍ من مظاهر المحسوبية أو المحاباة حال وجودها دون خوفٍ من العواقب، مع ضرورة وسرعة اتخاذ خطوات عملية لحلها.

وخلاصة القول: إن المحسوبية والمحاباة عدوان للمؤسسات، يقوِّضان أسس العدالة والكفاءة، مما يؤدي في النهاية إلى تراجع الأداء، بل والانهيار؛ ومن ثم فمكافحتهما ليست خيارًا، بل ضرورة لضمان النجاح والاستدامة. فالمؤسسات الناجحة هي تلك التي تستند إلى النزاهة التنظيمية، وتُعزِّز الكفاءة، وتبني بيئة عمل عادلة ومُحفزِّة لجميع العاملين بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى