مقالات

د. حامد نبيل يكتب: الإيفاد الأكاديمي بين الحق المُكتسَب والاعتقاد الخاطئ

يُعتبر الإيفاد إلى الخارج للحصول على درجاتٍ علميةٍ من أهم وسائل تنمية الموارد البشرية وتطوير الكوادر الأكاديمية، إلا أن بعض الباحثين الذين يتم إيفادهم للخارج يعتقدون خطأً أنهم يستحقون الدرجة العلمية بشكلٍ تلقائي لمجرد أنهم يتلقون الخدمة التعليمية على نفقتهم الخاصة أو على نفقة دولتهم.

وهذا التصور لا يعكس الواقع الأكاديمي، ويؤدي إلى تداعياتٍ خطيرةٍ على المؤسسات التعليمية التي تستقبل هؤلاء الباحثين، وكذلك على الدول التي تقوم بإيفادهم على حدٍ سواء.

فالحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن الشهادة الأكاديمية ليست مجرد خدمة تُشترى، بل هي نتاجٍ للجدارة العلمية والالتزام الأكاديمي. فالمؤسسات التعليمية المرموقة تعتمد معاييرًا صارمة لتقييم الأداء الأكاديمي،

وتشترط تحقيق متطلباتٍ بحثيةٍ محددة. غير أن الاعتقاد الخاطئ لدى بعض الموفَدين بأن تمويل دراستهم، سواء كان ذاتيًا أو عبر منحٍ حكومية، يمنحهم حقًا مضمونًا في الحصول على الدرجة العلمية قد يدفعهم إلى التهاون في التحصيل العلمي، والاعتماد على وسائلٍ غير أكاديمية للحصول على الدرجة، مما يضر بسمعة المؤسسة التعليمية التي تمنحها.
وعندما يلتحق طلاب يحملون هذا الفكر بجامعاتٍ خارجية، فقد يؤدي ذلك إلى العديد من المشكلات والتي من بينها انخفاض جودة البحث العلمي نتيجة عدم التزام بعض الباحثين بالمعايير الأكاديمية، وكذلك التأثير السلبي على سمعة تلك المؤسسات وفقدان مصداقيتها أمام المجتمع الأكاديمي الدولي إذا ما منحت درجاتٍ علميةٍ لموفَدين غير مؤهلين لتتحول إلى مجرد “مصانع شهادات” نتيجة هذا التصور الخاطئ مما يضُر بالمنظومة الأكاديمية ككل.

وعلى الجانب الآخر، فدولة الموفَد ذاتها ليست بمنأى عن الآثار السلبية المترتبة على هذا الاعتقاد الخاطئ؛ فإذا ما حصل الموفَدون على شهاداتهم دون استحقاقٍ حقيقي، فإنه سيعودون إلى بلدانهم دون اكتساب أية مهاراتٍ حقيقية، مما يُضعف مؤسسات البحث العلمي والتعليم العالي في دولهم بالتبعية نتيجة ضعف المخرجات العلمية.

ناهيك عن إهدار موارد الدول التي تموّل تلك البعثات الدراسية وتتوقع أن يعود الباحثون بمستوى علمي عالٍ، علاوةً على التأثير السلبي على الأجيال القادمة من الباحثين؛ فعندما يصبح الحصول على شهادةٍ علمية مجرد إجراءٍ شكلي، فإن ذلك يخلق جيلًا من الأكاديميين غير المؤهلين، مما ينعكس سلبًا على جودة التعليم والبحث العلمي في تلك الدول.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن الإيفاد للحصول على درجاتٍ علمية يجب أن يكون مبنيًا على التميُّز والجديَّة العلمية، وليس على مجرد مدى قدرة الموفَد على دفع الرسوم الدراسية. لذا فمن الضروري أن تُعزِّز الدول والمؤسسات الأكاديمية ثقافة الجدارة، وأن تراقب جودة برامج الإيفاد لضمان تحقيق الأهداف العلمية المرجوَّة، وحماية سمعة تلك المؤسسات التي تستقبل الموفَدين من ناحية، مع ضمان عودة الباحثين بمستوى علمي يساهم في نهضة مجتمعاتهم من ناحيةٍ أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى