مقالات

السرقات العلمية … آفة البحث الأكاديمي ومِعْول هدم التقدم العلمي

تُعد السرقات العلمية من الظواهر الخطيرة التي تُهدد نزاهة البحث العلمي وتؤثر سلبًا على تطوره، ومع انتشار الإنترنت والذكاء الاصطناعي، ازدادت حالات الانتحال والسرقة الفكرية، مما أدى إلى فقدان الثقة في المؤسسات الأكاديمية وانخفاض جودة الأبحاث العلمية.
وتأخذ السرقات العلمية أشكالًا عدة، لعل من أبرزها الانتحال المباشر والذي يتمثل في نقل محتوى بحثي أو فقراتٍ كاملة من مصادرٍ أخرى دون الإشارة إليها، أو أخذ أجزاء من أبحاثٍ متعددةٍ ودمجها دون الإشارة إلى أصحابها فيما يسمى بالسرقة الجزئية، وكذلك إعادة الصياغة دون توثيق عن طريق تغيير بعض الكلمات أو العبارات من مصدرٍ معينٍ دون ذكره كمصدرٍ أصلي، أو الاستعانة بأشخاصٍ آخرين؛ حيث يقوم الباحث بتقديم بحثٍ مكتوبٍ من قِبل شخص آخر ونسبته إلى نفسه. كما قد يقوم بعض الباحثين بالتلاعب في البيانات البحثية بتعديلها أو تلفيقها للحصول على نتائجٍ معينة. وأخيرًا قد يقوم بعض الباحثين بالنشر المُكرَّر بنشر البحث نفسه في أكثر من مجلةٍ علميةٍ دون الإشارة إلى ذلك.
هذا وتوجد العديد من العوامل التي قد تدفع الباحثين إلى اللجوء إلى السرقات العلمية، ومنها سهولة الوصول إلى المعلومات؛ حيث جعلت الإنترنت ومصادر البحث الرقمي من النسخ واللصق أمرًا سهلًا، لا سيما مع ضعف الوعي الأخلاقي وقلة الالتزام بالمبادئ الأكاديمية والنزاهة العلمية. كما قد يتسبب ضعف مهارات البحث والتوثيق لدي بعض الباحثين في عدم قدرتهم على إعادة صياغة الأفكار أو استخدام أساليب التوثيق الصحيحة. إضافةً إلى ذلك يُمثِّل الضغط الأكاديمي في كثيرٍ من الأحيان بضرورة تحقيق إنجازاتٍ بحثيةٍ سريعةٍ بهدف التخرج أو الترقية أو السعي للتميُّز الأكاديمي بأي وسيلةٍ ممكنة أحد تلك العوامل.
ومما لا شك فيه أن السرقات العلمية يترتب عليها العديد من الآثار السلبية التي تؤثر على الأفراد والمؤسسات البحثية والمجتمع العلمي ككل، ومنها العقوبات القانونية والأكاديمية، مثل الفصل أو سحب الدرجة العلمية مما يؤدي إلى فقدان الثقة في الباحثين والمؤسسات الأكاديمية الأمر الذي قد يصل إلى حد فقدان بعض الجامعات لسمعتها الأكاديمية نتيجة انتشار السرقات العلمية بين طلابها وباحثيها. وعلى الجانب الآخر، يؤدي انتشار الأبحاث المسروقة إلى انخفاض جودة الأبحاث وتراجع مستوى البحث العلمي ككل؛ مما يترتب عليه الإضرار بمسار التقدم العلمي وتعطيل الابتكارات والاكتشافات الجديدة.
وانطلاقًا من أنه لا يمكن تحقيق تقدم علمي حقيقي إلا من خلال الالتزام بالنزاهة الأكاديمية وتشجيع الإبداع والابتكار في الأبحاث العلمية، تجب محاربة تلك الظاهرة التي تُهدد مستقبل البحث العلمي وتُضعف قيمته بتطبيق استراتيجيةٍ علاجيةٍ ذات محورين أساسيين ومتلازمين؛ أولهما، العمل على تعزيز أخلاقيات البحث العلمي من خلال توعية الباحثين بأهمية النزاهة الأكاديمية وضرورة الالتزام بأخلاقيات البحث، مع السعي نحو تحسين مهارات البحث والتوثيق بتوفير دورات تدريبية للباحثين حول كيفية التوثيق وإعادة الصياغة بشكلٍ صحيح. إضافةً إلى دعم ثقافة الإبداع وتشجيع الباحثين على تطوير أفكارهم الخاصة بدلًا من اللجوء إلى النسخ والاقتباس غير المُوثَّق. وثانيهما، ضرورة الاعتماد على أدواتٍ رقميةٍ متطورةٍ للكشف عن السرقات العلمية، بجانب فرض عقوباتٍ صارمة على من يَثبُت تورطهم في مثل تلك الممارسات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى