مقالات

كيف يمكن لمستقبل الشرق الأوسط الأخضر أن يستفيد من الاقتصاد الدائري للمياه

بقلم خوليو دي لا روسا، مدير تطوير الأعمال في شركة أكيونا لحلول المياه بالشرق الأوسط

لقد تفاقمت أزمة ندرة المياه وأهم مظاهر هذه الأزمة هي محدودية الموارد الطبيعية، وزيادة حالات الجفاف، والنمو السكاني العالمي، وتغير أنماط الاستهلاك، إلى جانب تغير مناخي لا هوادة فيه. لقد دق ناقوس الخطر منذ عقود ولكننا الآن يجب أن نتخذ الإجراءات اللازمة لوقف هذه الأزمة وإعادة الأمور إلى سابق عهدها حتى لا تتسبب في ضرر لا يمكن إصلاحه بالبيئة.

في الآونة الأخيرة، أطلقت حكومتي المملكة العربية السعودية والإمارات العديد من المبادرات الخضراء لحماية البيئة ومواصلة مكافحة تغير المناخ.

وتثير مبادرتان سعوديتان جديدتان الضجة والحماسة في مجال حماية البيئة والتخفيف من آثار تغير المناخ عالميًا؛ حيث دعت مبادرة السعودية الخضراء ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر، التي كشف عنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان العام الماضي، إلى تعاون إقليمي لمواجهة التحديات البيئية التي تواجه المملكة والمنطقة بأسرها.

تهدف مبادرة السعودية الخضراء إلى زراعة 10 مليارات شجرة في المملكة، وإعادة تأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي، وتوليد 50٪ من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، والقضاء على أكثر من 130 مليون طن من انبعاثات الكربون. أما مبادرة الشرق الأوسط الأخضر فتهدف إلى زراعة 40 مليار شجرة في المنطقة، وإعادة تأهيل 200 مليون هكتار من الأراضي، ومعالجة 94٪ من النفايات بأكثر التقنيات استدامةً، مما يقلل انبعاثات الكربون بنسبة 60٪.

إن هذه المبادرات، التي تعد جزءًا من استراتيجية تحقيق رؤية 2030، ستضع المملكة في قلب الجهود الإقليمية لتحقيق الأهداف الدولية المتعلقة بالتخفيف من آثار تغير المناخ، فضلاً عن أنها ستساعد المملكة على تحقيق أهدافها الخاصة.

لقد أظهرت رؤية السعودية 2030 إصرار المملكة على تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير من خلال مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون.

ومن ناحية أخرى، أطلقت الإمارات خطة دبي الحضرية 2040 العام الماضي، وهي عبارة عن مخطط تفصيلي لكيفية تطوير الإمارة على مدار العشرين عامًا القادمة، وترسم الخطة تغييرات واسعة النطاق في التخطيط الحضري لتعزيز التنمية الحضرية المستدامة. تهدف خطة دبي الحضرية إلى مضاعفة حجم المساحات الخضراء والمساحات الترفيهية في الحدائق العامة، وأن تصبح حوالي 60٪ من دبي مصنفة كمحميات طبيعية، كما تتضمن الخطة العديد من “المسارات الخضراء” الجديدة.

ستحتاج كل هذه المبادرات الخضراء إلى خطة صيانة واستدامة جيدة التصميم والتي تضمن مشاركة جميع أصحاب المصلحة واضعةً في المقدمة الأفراد. تشير توقعات الأمم المتحدة إلى أن كوكب الأرض سيواجه عجزًا مائيًا بنسبة 40٪ من الآن وحتى 2030 في حالة استمرارنا على نفس العادات الاستهلاكية الحالية. وفي هذه الحالة، من الضروري أن يتجه المجتمع نحو نموذج الاقتصاد الدائري الذي يعد ضروريًا لمعالجة أزمة المناخ هذه واستغلال الموارد المفرط. ومن رأيّ أن هذه الخطط فرصة عظيمة لتطبيق طرق مختلفة للاقتصاد الدائري في دورة المياه على النحو التالي:

استصلاح المياه

بفضل الحلول التكنولوجية المبتكرة في مجال استصلاح المياه، أصبح من الممكن تحسين عمليات المعالجة الثلاثية وتقديم حلول للطلب المتزايد على المياه في الزراعة، والري الحضري، والأنشطة الترفيهية، إلى جانب تجديد طبقات المياه الجوفية وحمايتها من تسرب المياه المالحة. ونحن نبحث باستمرار عن التطورات التكنولوجية لاستصلاح المياه – أحد الأمثلة هو المفاعلات الحيوية الغشائية – لنتمكن من استخدام المياه النقية بشكل أكثر شمولاً واستدامةً.

وإلى جانب ذلك، فإن عملية استصلاح المياه هذه، اعتمادًا على نوعية المعالجة المطبقة، يمكن أن تكون مليئة بالعناصر المغذية التي من شأنها أن تقلل من استخدام الأسمدة الكيماوية، مما يقلل من التأثير المحتمل على طبقات المياه الجوفية الطبيعية. سيكون الهدف هو إعادة هذا المورد إلى البيئة بمستوى جودة مشابه أو أعلى من المستوى الذي كان عليه قبل استخدامه، وكذلك إيجاد قيمة للملوثات الموجودة بالمياه الناتجة عن استخدامها.

إن المحفزات لهذه التصاميم البيئية هي بلا شك الابتكار والتميز التقني. ولقد نجحنا في زيادة الاستهلاك الداخلي من المياه المعاد تدويرها والمستصلحة ومياه الأمطار إلى ما يصل إلى 44٪ من إجمالي المياه المستخدمة في منشآتنا، بناءً على مبادئ الاقتصاد الدائري. وفي محطات معالجة مياه الصرف الصحي لدينا، وصلنا إلى أعلى مستوى لاستخدام المياه المستصلحة، لذا أصبحت الكفاءة العالية والاستدامة حقيقة واقعة الآن. وعلى سبيل المثال: ففي أربعة من محطات معالجة مياه الصرف الصحي لدينا (WWTPs) في مصر، تمكنا من استصلاح الماء المقطر بما يساوي ما يستعمله 500000 نسمة، ثم قمنا باستخدامها للري.

تحويل الحمأة إلى موارد

بدافع الابتكار، يمكن استخدام النفايات الصلبة المتولدة في محطة معالجة مياه الصرف الصحي كسماد للزراعة. فالنفايات التي يتم إزالتها من محطات المعالجة تحتوي على مواد عضوية ومغذيات هامة (بشكل رئيسي النيتروجين والفوسفور) وهي ذات قيمة عالية للاستخدامات الزراعية. وهذا من شأنه أن يساهم في تحسين صحة التربة التي تحتاج إلى مواد عضوية وكذلك إغلاق الدورة الطبيعية التي تربط المدينة بالريف. ومن أفضل الأمثلة على هذا التطبيق هو محطة معالجة المياه “La Escalerilla” في أريكويبا (بيرو).

إن الحمأة المتولدة في محطات معالجة مياه الصرف الصحي أو محطات معالجة تحلية المياه غنية بالمعادن الطبيعية التي يمكن استخدامها بنفس جودة الأسمدة.

وقد أثبت مشروعنا RAMSES، والذي جاء نتيجةً لتنفيذ حلول فعالة لمواصلة استصلاح مياه الصرف الصحي المعالجة كمصدر رئيسي لمياه الري، أنه مشروع ضروري للغاية للمناطق التي تعاني من إجهاد مائي كبير. ونظرًا لأن متطلبات جودة المياه المعاد توليدها (النفايات السائلة) المستخدمة في الري أصبحت أكثر تطلبًا، فإننا بحاجة إلى عمليات إضافية من شأنها دفع جودة المعالجة إلى أعلى. ولذلك، من واجبنا مواصلة العمل على التقنيات والعمليات التي تتيح استصلاح المياه العادمة بكفاءة لاستعمالها في الزراعة، مع الأخذ في الاعتبار المسؤولية التي نتحملها كشركة رائدة في معالجة المياه لمكافحة الاحتباس الحراري الذي يعاني منه كوكبنا. ونقطة قوية أخرى في المشروع هي أنه يهدف إلى تعظيم الموارد، وإعادة استخدام العديد منها في نفس العملية وبالتالي تعزيز طبيعتها الدائرية.

تم تطوير مشروع RAMSES – الذي تم تسميته من خلال الجمع بين الأحرف الأولى من الاسم الكامل باللغة الإنجليزية (تحسين جودة المياه المستصلحة من خلال المعالجة الرئيسية والهوائية باستخدام نمو الكتلة الحيوية المدعومة) – بواسطة شركة أكيونا (ACCIONA)، وتم تمويله جزئيًا من قبل المفوضية الأوروبية من خلال برنامج لايف (LIFE) وتم استخدامه في محطة معالجة مياه الصرف الصحي في جنوب إسبانيا.

وفي ضوء ما سبق، فمن الضروري بذل كل جهد لاعتبار المياه عنصر أساسي في مفهوم الاقتصاد الدائري، مع مراعاة التأثيرات البيئية طوال دورة حياتها وإدارتها من البداية. نحن بحاجة إلى نهج جديد من خلال استخدام التكنولوجيا المناسبة والإطار القانوني لأن ما كان يعتبر حتى الآن نفايات لا قيمة لها، يمكن تحويله إلى مورد مستدام ذي قيمة.

ومما لا شك فيه أن منطقة الشرق الأوسط، وأكبر الدول المصدرة للنفط في العالم، بدأت رحلتها الخاصة إلى مستقبل أكثر اخضرارًا موضحةً لنا الطريق الذي يجب علينا اتباعه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى