“في جرجا.. مشروعات الدولة تُرصف على نغمة الدعاية الانتخابية!”

في واحدة من أكثر الوقائع إثارة للجدل خلال الأسابيع الأخيرة، شهد مركز ومدينة جرجا بمحافظة سوهاج مشهداً غريباً أثار تساؤلات الأهالي حول تداخل المصالح بين المال العام والدعاية الانتخابية، بعدما بدأت إحدى شركات المقاولات تمهيد طريق إحدي قري مركز جرجا – محافظة سوهاج، قبل أن تُعلن نتيجة المناقصة الرسمية الخاصة بالمشروع.
المشروع، الذي تصل تكلفته إلى عشرين مليون جنيه من ميزانية الدولة المخصصة لمشروعات البنية التحتية، كانت قد طرحته المحافظة ضمن خطتها لتطوير الطرق الريفية، وتقدمت إليه عدة شركات بعطاءات ما زالت – حتى لحظة كتابة هذه السطور – قيد الفحص الفني والمالي في لجان التقييم المختصة.
إلا أن المفاجأة تمثلت في قيام إحدى الشركات المشاركة في المناقصة، والمملوكة لأحد المرشحين لعضوية مجلس النواب عن دائرة جرجا، ببدء العمل فعلياً في الموقع مستخدمة معداتها ولوادرها، دون صدور قرار رسمي بإسناد المشروع إليها، وهو ما رصده الأهالي وأثار موجة من الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وداخل المجالس المحلية.
علامات استفهام مشروعة
يتساءل أهالي القرية:
كيف يبدأ مرشح لم تُعلن فوزه بالمناقصة في تنفيذ مشروع عام بتمويل حكومي؟
هل يحق له – قانوناً – استخدام معدات شركته في موقع لم يُسند إليه بعد؟
وهل يمكن اعتبار ما جرى نوعاً من استعراض القوة أو الضغط غير المباشر على اللجان المسؤولة لترسية المشروع لصالحه؟
بعض السكان يرون أن ما جرى يمهد لتوظيف المشروع في حملة انتخابية مبكرة، عبر تصوير الأعمال الجارية على أنها “مبادرة شخصية لخدمة الأهالي”، رغم أن المشروع ممول بالكامل من المال العام.
رقابة غائبة؟
مصادر محلية أكدت أن المعدات التي شوهدت في الموقع تابعة بالفعل لشركة المقاولات التي يمتلكها المرشح، وأن العمل تم دون وجود إشراف هندسي رسمي من الوحدة المحلية أو مديرية الطرق بالمحافظة، ما يفتح الباب لتساؤلات حول غياب الرقابة الميدانية على مواقع المشروعات العامة قبل صدور أوامر الإسناد.
ويرى خبراء قانونيون أن هذا التصرف – حال ثبوته – يمثل مخالفة صريحة لمبدأ تكافؤ الفرص بين المتنافسين في المناقصات، وقد يندرج ضمن محاولات استغلال الموارد العامة لأغراض انتخابية، وهو ما يستوجب تدخل الجهات الرقابية للتحقق من الملابسات ومحاسبة أي جهة أو شخص تجاوز الإجراءات الرسمية.
من يخدم من؟
يقول أحد الأهالي: “المشروعات الحكومية لا تحتاج إلى متطوعين من المرشحين، بل تحتاج إلى رقابة تحميها من الاستغلال السياسي… الخدمة الحقيقية مش إنك تشتغل مكان الدولة، الخدمة إنك تحافظ على مالها”.
وفي الوقت الذي يطالب فيه الأهالي ببيان رسمي يوضح من الجهة التي سمحت ببدء العمل قبل الموعد القانوني، يرى مراقبون أن الواقعة تكشف عن ثغرات خطيرة في منظومة طرح المشروعات الحكومية بالمحليات، خصوصاً في فترات تسبق الانتخابات.
جدير بالذكر: القضية لا تتعلق بمشروع طريق فقط، بل بما هو أعمق:
كيف نحمي المال العام من التسييس؟
وكيف نضمن أن لا تتحول مشروعات الدولة إلى أدوات انتخابية مؤقتة؟
أسئلة تنتظر إجابات من محافظة سوهاج، والجهات الرقابية، والهيئة الوطنية للانتخابات… قبل أن يتحول الطريق إلى منحدر أخلاقي جديد في علاقة المال العام بالسياسة.



