منوعات و مجتمع

حوكمة الهيكلية الإدارية وتخطيط انتقال الملكية في الشركات العائلية

تتميز الشركات العائلية في منطقة الشرق الأوسط عمومًا بكونها أكثر تأثيرًا ومساهمة في الاقتصاد المحلي من الشركات متعدّدة الجنسيات. ويُنظر إلى تلك الشركات العائلية باعتبارها مراكز للقوّة ولتحفيز النموّ في الاقتصادات الإقليمية؛ حيث أشار تقرير صادر عن مؤسسة “برايس ووترهاوس كوبرز” إلى مساهمة الشركات العائلية بما يقارب 60% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، وإلى توظيفها لنسبة 80% من الأيادي العاملة المحلية.

كما أظهر التقرير المذكور أن حجم الثروات المنقولة عبر الأجيال في الشركات العائلية على مستوى الشرق الأوسط لا يقلّ عن تريليون دولار. ولذا، يعتبر الاستقرار النسبي وتعاقب ملكية الأعمال وتوريثها من جيل إلى آخر، أحد الاعتبارات الهامة والمستمرة على مستوى الشركات العائلية.

وعلى نطاق الشرق الأوسط، تتميز المملكة العربية السعودية باحتضانها لأكبر تجمّع من الشركات العائلية عالية الأداء في المنطقة؛ حيث تعمل فيها 538 ألف شركة عائلية تمثل في مجموعها نسبة 63% من إجمالي الشركات العاملة، وتساهم في الناتج المحلي الإجمالي بقيمة تعادل 216 مليار دولار، كما توظف هذه الشركات حوالي 7.2 مليون شخص أو ما يعادل نسبة 52% من إجمالي الأيادي العاملة في المملكة.

وتنشط الشركات العائلية على المستوى الإقليمي ضمن قطاعات الأعمال التقليدية؛ مثل مبيعات التجزئة والتوزيع وامتيازات العلامات التجارية والتصنيع والعقارات والإنشاءات والضيافة. ولطالما عانت هذه القطاعات، أكثر من غيرها، خلال فترات الركود والاضطرابات الاقتصادية، وفي المقابل، فقد تميزت أيضًا بنموّها الهائل خلال فترات الازدهار والانتعاش الاقتصادي. ورغم ذلك، ما تزال الشركات العائلية عُرضة لعوامل الاقتصاد الكلي السلبية، وذلك يعود أساسًا لافتقارها إلى القدرة على تكييف الكفاءات التشغيلية ومواصلة عملياتها بطرق محدّدة. وقد يعود ذلك إلى الإقبال البطيء لهذه الشركات على استخدام التكنولوجيا، وحاجتها إلى رقمنة العمليات، وخاصة لدى الشركات العائلية العريقة.

ولطالما ركّزت الشركات العائلية اهتمامها على الحوكمة الإدارية المستقرة، وعلى تخطيط انتقال الملكية عبر الأجيال، والسعي إلى النموّ وتنويع الاستثمارات، خاصة في ظلّ تزايد المخاوف من تأثير اضطرابات السوق على رصيد ثرواتها. واليوم، يحظى ضمان استمرارية عمل هذه الشركات في المستقبل بأهمية تفوق من أي وقت مضى.

وفي إطار السعي إلى تنظيم الملكية والثروة لدى المؤسسات العائلية، أو الشركات القابضة المملوكة أو المُدارة بالشراكة بين أفراد العائلات، والتي يشار إليها عمومًا باسم “المجموعات”، تتمثل أولى الخطوات الهامة المقترحة في توحيد كامل ملكيتها من خلال الهيكليات المعروفة، مثل قانون العُهدة الذي ثبت قبوله لدى الشركات العائلية في الشرق الأوسط، باعتباره الهيكلية المثالية لدمج ثروات وأصول واستثمارات العائلات والمحافظة عليها، بما في ذلك الشركات العائلية.

وفي بعض الأحيان، قد يشتمل أسلوب عمل الشركات العائلية على نقاط ضعف متأصلة وغير شائعة، ومن هذه النقاط الخاصّة للغاية؛ المنازعات والخلافات التي تتضمن عدم توافق الأفراد حول القرارات الإدارية وتوزيع الأرباح وهيكلية الإرث، وعدم الاهتمام بالتعاون في تنظيم هيكليات الأعمال، الأمر الذي يؤثر سلبًا على سير العمليات التجارية بأكملها، ويؤدي إلى ظهور دعاوى قضائية معقدة وطويلة الأمد. كما قد يؤدي ذلك إلى نشوء خلافات ونزاعات عميقة بين أفراد العائلة تتعلق بالحقوق والمظالم عبر الأجيال، بما قد يتسبب في النهاية بتدمير الإرث والعلاقات العائلية مع تكلفة مالية وإنسانية باهظة، والإضرار بسمعة جميع أفراد العائلة.

ويعتبر قانون العُهدة أحد الطرق التي قد تلجأ إليها العائلات لتنظيم ملكية الثروة وتوزيعها، فهو يُوفّر أداة قوية ومرنة من الناحية القانونية للحفاظ على أصول العائلة واستثماراتها وحمايتها وضمان التشغيل السلس والمستمر لأعمالها. وتعتبر العُهدة هيكلية شائعة للاحتفاظ بالثراوات العائلية على المستوى العالمي، ويعود ذلك جزئيًا إلى المرونة التي تُوفرها العُهدة في هيكلة ثروة العائلة وإدارتها وحمايتها، والتي يتم توثيقها جميعًا ضمن صكّ العُهدة الذي يضعه المُوصي عند تأسيس العُهدة الائتمانية.

ومن السمات الرئيسية للعُهدة أنّها تفصل بين الملكية القانونية والملكية النفعية للأصول والاستثمارات المشمولة. ويقوم الأمناء المُكلّفون بإدارة العُهدة وفقًا لأحكام صكّ العُهدة، تلبية لرغبة المُوصي، ومراعاة لمصالح جميع المستفيدين على النحو المنصوص عليه في صكّ العُهدة، والتي تشمل أنواعًا مختلفة من الإشراف والحوكمة الإضافية، مثل تعيين حارس للعُهدة يمكن أن يُوفر للمُوصي مزيدًا من الطمأنينة عند الحاجة. وعندما يكون التحكّم بالأعمال عنصرًا مطلوبًا لدى العائلة، هناك هياكل خاصة لشركات العُهدة توفر مزيجًا يدمج أساليب إدارة الشركات ضمن هيكلية العُهدة.

ويساهم النهج الاستباقي والمنظّم الذي تتبعه العائلة في مشاركة أفرادها بشكل مثمر في الهيكلية المؤسسية للشركة العائلية، ويؤدي إلى تحقيق الاتزان بدون الإضرار بالموظفين من غير أفراد العائلة، ويعيد تنظيم عمليات الشركة العائلية على نحو سلس قدر الإمكان، ويضمن تحقيق انسجام طويل الأمد بين الإدارة المهنية للشركة العائلية وبين مالكيها، بما فيهم أفراد العائلة الذين لا يشاركون في إدارة الشركة.

ومن ناحية أخرى، ما تزال مشاركة الأجيال الجديدة التي تتطوّر بفعّالية وسرعة في تشغيل وإدارة الشركات العائلية، من المجالات التي تتطلّب مزيدًا من التطوير، وذلك على الرغم من نشاط المؤسسات الائتمانية والاستشارية والوسيطة في السوق، ومعالجتها للاحتياجات المعقّدة والمتنامية لدى الشركات العائلية السعودية الآن بالتوازي مع تطوّر استراتيجيات الاستثمار والملكية تبعًا لانتشار الأعمال وتوسّعها عبر الحدود والدول، إلى جانب الطموحات الوطنية الهادفة لحماية الشركات والأعمال.

إنّ تأثير الشركات العائلية ومساهمتها في النموّ الاقتصادي يُسلّط الضوء على الحاجة المتزايدة إلى الخدمات الاستشارية والمتخصّصة، والتي تُوفّر الدعم والتوجيه الثابت للحفاظ على وحدة العائلات، وتقليل النزاعات، مع إمكانية التنبؤ بالتكاليف والعوائد لجميع المستفيدين. والأهمّ من ذلك، ضمان استمرار نجاح الشركات العائلية خلال الدورات الاقتصادية المختلفة.

ومن هنا، فقد حان الوقت كي تدرك المجموعات والشركات العائلية حاجتها إلى حوكمة هيكلياتها الإدارية، وأهمية ذلك في معالجة تحدّيات الأعمال بصورة موضوعية تشمل تخطيط انتقال الملكية وحماية الأصول، بما يسير جنبًا إلى جنب مع توفير الدعم  والمساهمة بدور إيجابي رئيسي في تحقيق الطموحات التحوّلية والاستراتيجبة لرؤية المملكة 2030.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى